من أنا

صورتي
وكيل كلية الاداب واستاذ الدراسات الاسلامية, المنوفية, Egypt
استاذ الدراسات الاسلامية وعضو اللجنة العلمية الدائمة بالمجلس الاعلى للجامعات ووكيل الكلية السابق

أرشيف المدونة الإلكترونية

المحاضرة الرابعة

بــاب الربــا والصــرف


والكلام فيه يشمل : تعريفه , حكمه , أنواعه , الأصناف التي يجري فيها الربا ,علة الربا في هذه الأصناف , فوائد البنوك

أولا: تعريف الربا .

الربا في اللغة هو الزيادة قال الله تعالى : " فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت" وقال :" أن تكون أمة هي أربى من أمة " أي أكثر عددا يقال أربى فلان على فلان إذا زاد عليه

وهو في الشرع الزيادة أشياء مخصوصة أو فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال

حكمه :حرام فلا خلاف في تحريمه لدلالة الكتاب والسنة والإجماع :

أما الكتاب فقول الله تعالى " وحرم الربا " وما بعدها من الآيات

وأما السنة فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله ما هي ؟ قال :" الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات "

وأن النبي صلى الله عليه وسلم :" لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه "

وأجمعت الأمة على أن الربا محرم" .

وحكم عقد الربا سواء ربا الفضل وربا النسيئة : حرام , باطل عند الجمهور، فلا يترتب عليه أي أثر،و فاسد عند الحنفية.

لكن ما سبب تحريم الربا؟ يجب على المسلم التسليم والرضا بأحكام الله سبحانه ولو لم يعرف علة الوجوب أو التحريم، لكن بعض الأحكام قد تكون لها حكمة تشريعية ظاهرة، كما في تحريم الربا، حيث فيه استغلال حاجة الفقير، ومضاعفة الدين عليه، وما ينشأ عن ذلك من العداوة والبغضاء، وفي تعاطي الربا ترك العمل والاعتماد على الفوائد الربوية، وعدم السعي في الأرض، وغير ذلك من المضار والمفاسد العظيمة.

والصرف: بيع النقد بالنقد سمي صرفاً لتصريفهما وهو تصويتهما في الميزان وقيل لانصرافهما عن مقتضى البيوعات بشروط خاصة مثل عدم جواز التفرق قبل القبض وغيرها كعدم الزيادة .

أنواع الربا : الربا عند جمهور الفقهاء نـوعان :

1- ربا الفضل 2- ربا النساء (النسيئة )

أولا: ربا الفضل , الفضل أي الزيادة وهو الربا الجلي ( الواضح )

ثانيا : ربا النساء أي التأخير لأجل وهو الربا الخفي فُسِر ببيع الدين بالدين أو الكالئ بالكالئ

حكمه : حرام فهو منهي عنه لنص الحديث الشريف .

وقد كان في ربا الفضل اختلاف بين الصحابة

فحكي عن ابن عباس و أسامة بن زيد و زيد بن أرقم و ابن الزبير أنهم قالوا : إنما الربا في النسيئة لقوله عليه السلام : لا ربا إلا في النسيئة .

والمشهور من ذلك قول ابن عباس ثم روي أنه رجع إلى قول الجماعة

والصحيح قول الجمهور لحديث أبي سعيد الخدري : أن رسول الله  قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا غائبا بناجز ] وروي أبو سعيد أيضا قال : جاء بلال إلى النبي r بتمر برني فقال له النبي r : من أين هذا يا بلال ؟ قال : كان عندنا تمر رديء فبعت صاعين بصاع ليطعم النبي r فقال النبي r : أوه عين الربا عين الربا لا تفعل ولكن إن أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به ومن المعلوم أنه بعد رجوع ابن عباس عن رأيه أصبح لا خلاف بين المسلمين علي تحريم الربا بنوعيه .

حكمة تحريم الربا ما كان لأحد أن يبحث عن حكمة تحريم الربا بعد أن وصفه الله بأسوأ النعوت في قوله تعالى :] يمحق الله الربا ويربى الصدقات [ وهذا إشارة إلى التناقض بين ما يهدف إليه الشرع من الحث على الصدقات ومراعاة العامل الاجتماعي وما يتحقق عن الربا من مظالم اجتماعية وبلاء اقتصادي جعل أهل الإلحاد يتبرؤون من نظام يقوم على الفائدة ويذهبون إلى طريق بشع من إلغاء الملكية الخاصة وغير ذلك من النظم الشيوعية التي ثبت فشلها .

من فوائد تحريم الربا عموما ما يلي :

1- القضاء على الفائدة ونتائجها في مجال توزيع الناتج العالمي والقومي فالفقر والديون هما دافعي الفائدة والشره المجنون نحو المال هو مصيبة الأثرياء في عقولهم ودنياهم .

2- التوجيه نحو عوامل الربح الحلال التي قررتها الشريعة كالمشاركات والمضاربة الشرعية والاهتمام بالعمل المنتج .

3- تحريم الربا يحدد وظيفة النقود في التبادل التجاري لأنها أداة للتبادل وليست أداة استثمارية مما يجعل للعمل البشري أهمية قد أهدرتها الرأس مالية كنظام ربوي .

4- من أهم فوائده الدينية حفظ الإنسان من التلوث بالحرام مما يؤثر على روحه ونفسه وعقله وكيانه فكل جسم نبت من حرام فالنار أولى به .

الأموال التي يجري فيها ربا الفضل ؟ : ما هي الأشياء التي يحرم فيها الربا؟

: الأشياء التي يحرم فيها الربا هي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، وما شارك هذه الأصناف الستة في علة الربا، وقد اختلف الفقهاء في حصر ما يجري فيه الربا تبعا لاختلافهم في تحديد علة الربا

وفيما يلي موجزا لذلك الاختلاف:

اتفق الفقهاء على تحريم ربا الفضل في سبعة أصناف منصوص عليها:

الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والزبيب، والملح. فيحرم التفاضل فيها مع اتحاد الجنس، واختلفوا فيما عداها علي رأيين:

الرأي الأول: يري الظاهرية.أن الربا لا يجري إلا في الأصناف الستة الواردة في الحديث ومن ثم قصروا التحريم عليها فقط

الرأي الثاني : يري جمهور الفقهاء أن الربا يجري في الأصناف السته وغيرها مما يشبهها ويجري فيه علته لكنهم اختلفوا في تحديد علة الربا علي ثلاثة آراء:

الرأي الأول: يري أبو حنيفة و أحمد في ظاهر مذهبه،أن العلة هي الكيل والوزن مع الجنس فيحرم في كل مكيل أو موزون بجنسه،

الرأي الثاني : يري الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد.أن العلة في الذهب والفضة هي الثمنية وفي الأصناف الأربعة الطعم وإن لم يكن مكيلاً ولا موزوناً، والطعام عندهم: كل ما يؤخذ اقتياتاً أو تفكهاً أو تداوياً.

الرأي الثالث:يري الحنابلة في رواية وقول للشافعي.أن العلة هي الطعم مع الكيل أو الوزن وهو قول سعيد بن المسيب.

الرأي الرابع :يري المالكية أن العلة هي الإقتيات و الادخار في المطعومات وما يصلحها وفي الذهب والفضة النقدية, واعتبر ابن القيم هذا الرأي أرجح الأقوال .

وتفصيل هذه الآراء وأدلتها فيما يلي:

1 - مذهب الحنفية: قال ا لحنفية : علة ربا الفضل أو الضابط الذي تعرف به الأموال الربوية: هي الكيل أو الوزن مع اتحاد الجنس، فعند اجتماعهما: يحرم الفضل والنَّساء أي أن العلة في الأشياء الأربعة المنصوص عليها (البر والشعير والتمر والملح): هي الكيل مع الجنس. وفي الذهب والفضة: العلة هي الوزن مع الجنس

والدليل ما رواه أبو سعيد الخدري وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما عن النبي r أنه قال: «الذهب بالذهب مثلاً بمثل، يداً بيد، والفضل ربا، والفضة بالفضة مثلاً بمثل، يداً بيد، والفضل ربا، والحنطة بالحنطة مثلاً بمثل، يداً بيد، والفضل ربا، والشعير بالشعير مثلاً بمثل، يداً بيد، والفضل ربا، والتمر بالتمر مثلاً بمثل، يداً بيد، والفضل ربا، والملح بالملح مثلاً بمثل، يداً بيد، والفضل ربا» .

وعلى هذا فإن ربا الفضل يختص بالمقدرات المثلية من مكيل أو موزون فقط، لا مزروع أو معدود، فليس فيه رباوأما الأموال القيمية كالأراضي والدور والأشجار، فلا يجري فيها ربا الفضل، لأنها ليست من المقدَّرات (أي التي تجمع بين أفرادها وحدة مقياس ومقدار معين)، فيجوز إعطاء الكثير منها في مقابل القليل من جنسه كبيع غنمة بغنمتين؛ لأن ربا الفضل زيادة أحد المتجانسين على الآخر في المقدار والكمية، والقيميات ليست من المقدرات .

وحكمة التحريم عندهم : هي دفع الغبن عن الناس، وعدم الإضرار بهم، عندما يكون في أحد الجنسين معنى زائداً عن الآخر.

والدليل علي تحريمه أنه من باب سد الذرائع؛لأنهم إذا باعوا درهماً بدرهمين، ولا يفعل هذا عند اتحاد الجنس إلا للتفاوت الذي بين النوعين: إما في الجودة، وإما في نوع السكة، وإما في الثقل والخفة وغيرها، تدرجوا بالربح المعجل فيها إلى الربح المؤخر: وهو عين ربا النسيئة، أما تحريم ربا الفضل عند اختلاف الجنسين كبيع القمح بالشعير أحدهما معجل والآخر مؤجل، فهو أيضاً من قبيل سد الذرائع، كيلا يتخذ جواز التفاضل عند اختلاف الجنسين ذريعة ووسيلة إلى ربا النسيئة، فيستقرض الشخص ذهباً مثلاً إلى أجل، ثم يوفي فضة أكثر منه بقدر الربا المراد. وبذلك وضع الشرع الحكيم مقياساً دقيقا في يد أكثر الناس لتقويم الأصناف المختلفة، دون حاجة إلى البحث عن الفروق النوعية في الصنف الواحد.

ويلاحظ إنه قد لا يكون سبب التحريم هو سد الذرائع، كما في أخذ كثير رديء في قليل جيد، فزيادة الرديء تقابل بجودة الجيد، لكنه مع ذلك حرام؛ لأن هناك غرراً كبيراً لا يعلم معه أيهما غبن.

ولا يقتصر الربا على ما فيه استغلال، فقد يكون ربا الجاهلية من أجل الاستثمار، ويرد المقترض للمقرض رأس المال والفوائد الربوية المتفق عليها، وقد سوى الرسول صلّى الله عليه وسلم في تحريم الربا بين المحتاج والمستغل حيث قال: «فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء» ولعن الرسول صلّى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله على السواء.

مقياس الأموال الربوية: يلاحظ أن ما نص الشارع على كونه كيلاًً كبُر وشعير وتمر وملح، أو وزنياً كذهب وفضة، فإنه يظل كذلك لا يتغير أبداً، وإن ترك الناس التعامل فيه كما كان في الماضي. وهذا رأي جمهور الحنفية، والشافعية والحنابلة، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم : «المكيال مكيال أهل المدينة، والوزن وزن أهل مكة» فلا يصح بيع الحنطة بالحنطة بوزن متساو، ولا بيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة بكيل متساو؛ لأن النص أقوى من العرف، والأقوى لا يترك بالأدنى.

وقد ذهب أبو يوسف إلى أن المقياس المعتبر في الأموال الربوية في المنصوص عليه وغيره هو المقياس العرفي وأنه يتبدل بتبدل العرف.

ودليله علي ذلك أن النص الذي ورد بلزوم التساوي في الربويات كيلاً أو وزناً، مراعى فيه المقياس المتعارف في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وإثبات العلة في المقيس على النص مما يدرك هنا بالعرف، ويؤيده أن المالكية قالوا: إذا اختلفت عوائد الناس في الكيل أو الوزن اعتبرت عادة البلد الذي تم فيه التعاقد.وأما ما لم ينص عليه الشارع فهو محمول على عادات الناس وأعرافهم في الأسواق

حكم الربا في جيد المال ورديئه : القاعدة المتفق عليها أن جيد مال الربا ورديئه سواء، فلا يجوز بيع الجيد بالرديء مما فيه الربا إلا مثلاً بمثل؛ لأن الجودة ساقطة في الأموال الربوية، للقاعدة الشرعية: «جيدها ورديئها سواء» . ولحديث أبي سعيد الخدري المتقدم: «ولاتُشفّوا بعضها على بعض» أي لاتزيدوا. والحكمة من ذلك هي ألا يؤدي مبادلة الجيد بالرديء إلى نقض ما شرعه الشارع من منع التفاضل؛ لأن الناس عادة لا يبادلون شيئاً آخر، إذا كانا متساويين من كل الوجوه، وإنما يبادلون الجنس بجنسه لما بينهما من التفاوت، فلو أجيز لهم مبادلة شيء بآخر من جنسه لما فيه من صفة هي أجود، لم يحرم عليهم ربا الفضل، وكان تحريم مبادلة الجيد بالرديء دفعاً لشبهة الربا، وسداً للذرائع . وبناء عليه حرم المالكية بيع المراطلة: وهي بيع النقد بصنفه وزناً، وكان هناك اختلاف بين الذهبين في الجودة والرداءة.

هل للصناعة أثر في باب الربا؟ يعني بيع تبر (ذهب سبيكة بذهب مصنوع أقل منه في الوزن مراعاة لقيمة الصناعة؟ لا خلاف أنه لا عبرة بالصنعة في النقدين: الذهب والفضة، بمعني أنه يجب التماثل في الوزن في التبادل بين البدلين، دون زيادة، فلو باع شخص غيره ذهباً مصوغاً حلياً بسبيكة، وجب التماثل في الوزن، ويحرم وجود الزيادة في أحد العوضين، لحديث الخدري عند الشيخين: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل.. ولا تبيعوا الورِق بالورِق إلا مثلاً بمثل» والذهب والفضة يشمل المسكوك وغير المسكوك.

علة ربا النسيئة عند الحنفية :

إن علة ربا النسيئة وهو ربا الجاهلية: هي أحد وصفي علة ربا الفضل: إما الكيل أو الوزن المتفق، أو الجنس المتحد ومثاله:

أن يشتري إنسان صاعاً من القمح في زمن الشتاء بصاع ونصف يدفعهما في زمن الصيف، فإن (نصف الصاع) الذي زاد في الثمن، لم يقابله شيء من المبيع، وإنما هو في مقابل الأجل فقط، ولذا سمي ربا النسيئة أي التأخير في أحد البدلين، فالزيادة في أحد العوضين في مقابلة (تأخير الدفع) سواء اتحد المقدار أو اختلف. وقد كان أهل الجاهلية إذا داين الرجل منهم أخاه، ثم حل أجل الدين، قال له: (إما أن تقضي أو تُربي)، فإما قضاه، وإما أجله وزاده شيئاً على رأس ماله، وفي هذا إرهاق للمدين، وإضرار به؛ لأن الدين قد يستغرق ماله. .

وهكذا فإن حرمة ربا الفضل تتحقق بوصفين، وحرمة النَّساء بأحد الوصفين.

وبما أن اتحاد الجنس كاف وحده لتحريم النسيئة، فلا يعتبر القدر هنا (وهو نصف صاع فأكثر) فلا يجوز بيع حفنة قمح بحفنتين إلى أجل، ولا تفاحة بتفاحتين، ولا بِطِّيخة ببطيختين إلى أجل ونحوها، لاتحاد الجنس، بخلاف ربا الفضل كما تقدم.

فإذا انتفى الجنس كحفنة بر بحفنتي شعير، يحل في الأرجح البيع مطلقاً: حالاً ونسيئة، لعدم وجود علة كل منهما. خلافا لما روي عن الإمام محمد أنه حرم ذلك كله، وقال: كل شيء حرم في الكثير فالقليل منه حرام.

حكمة التحريم في ربا النسيئة عند الحنفية:إن حكمة تحريم ربا النسيئة إجمالاً:

1- إرهاق المضطرين واستغلال حاجتهم

2- يؤدي إلي نزع عوامل الرفق والرحمة بالإنسان

3-يؤدي إلي نزع فضيلة التعاون والتناصر في هذه الحياة، وإلحاق الضرر العظيم بالناس، فإذا صارت النقود محلاً للتعامل بزيادة ربوية، كالسلع العادية حالاً أو نسيئة، اختل معيار تقويم الأموال الذي ينبغي أن يكون محدوداً مضبوطاً لا يرتفع ولا ينخفض. وإذا جاز ربا النسيئة في المطعومات ببيع بعضها ببعض لأجل، اندفع الناس إلى هذا البيع، طمعاً في الربح، فيصبح وجود الطعام حالاً عزيز المنال، فيقع الضرر في أقوات العالم

يتفرع علي ذلك ربا المصارف والبنوك: ما هو معروف اليوم في المصارف أو البنوك من إعطاء مال أو قرض مال لأجل بفائدة سنوية أو شهرية كسبعة في المئة أو خمسة أو اثنين ونصف، فهو أكل لأموال الناس بالباطل. وإن مضار الربا متحققة فيه، فحرمته كحرمة الربا، وإثمه كإثمه ، أي إنه ربا نسيئة، بدليل قوله تعالى: {وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم} . وقد أصبح الربا في عرف الناس اليوم، لا يطلق إلا على ربح المال عند تأخيره، وهو ربا النسيئة الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه. وأما ربا الفضل فهو نادر الحصول، وبه يظهر المقصود من الحديث السابق: «إنما الربا في النسيئة» وهو التنبيه على خطره وكثرة وقوعه،

ومن المعلوم أنه يمنع البنك من التجارة والاستثمار، ومهمته الأساسية الاقتراض من المودعين والإقراض لآخرين مقترضين، ويدفع للمودعين فائدة الودائع، ويأخذ من المقترضين فائدة الإقراض، والفرق بين الفائدتين هو المصدر الأساسي لإيرادات البنك. فتكون مهمة البنوك هي الاتجار في الديون. والوظيفة الثانية للبنوك هي ( خلق الديون أو الائتمان ) أي إقراض ما لم تقترضه فعلاً من أحد أو تحوزه، أو إقراض مالا تملكه .

أدلة الحنفية: استدل الحنفية على أن علة الربا هي الكيل أو الوزن: بأن التساوي أو المماثلة في العوضين شرط في صحة البيع، وحرمة الربا لوجود فضل مال خال عن العوض، وهذا يوجد في غير المنصوص عليه مثل : الجص والحديد ونحوهما. والتساوي أو المماثلة بين الشيئين يكون باعتبار الصورة والمعنى. والقدر المتفق (وهو الكيل أو الوزن) يحقق المماثلة صورة، والجنس يحقق المماثلة معنى؛ لأن المجانسة في الأموال عبارة عن تقارب المالية، فالقفيز يماثل القفيز ، والدينار يماثل الدينار، فيكون القفيز الزائد فضل مال خال عن العوض يمكن التحرز عنه في عقد المعاوضة، فكان ربا، وهذا المعنى لا يخص المطعومات والأثمان،بل يوجد في كل مكيل يباع بجنسه، وموزون يبادل بمثله

ويلاحظ أن الحنطة كلها على اختلاف أنواعها وأوصافها وبلدانها جنس واحد، ومثلها الشعير، ودقيقهما، وكذلك التمر، والملح، والعنب، والزبيب، والذهب، والفضة، فلا يجوز بيع كل مكيل أو موزون من ذلك بجنسه متفاضلاً في الكيل أو الوزن، وإن تساويا في النوع والصفة

2 - مذهب المالكية في علة الربا:

قال المالكية في ظاهر المذهب: علة تحريم الزيادة في الذهب والفضة هي النقدية (أي الثمنية)، أما في الطعام: فإن العلة عندهم تختلف بين ربا النسيئة وربا الفضل.

العلة في تحريم ربا النسيئة: هي مجرد المطعومية على غير وجه التداوي، سواء وجد الاقتيات والادخار، أو وجد الاقتيات فقط، أو لم يوجد واحد منهما، مثل أنواع الخضر من قثاء وبطيخ وليمون وخس وجزر، وقلقاس، وأنواع الفاكهة الرطبة كالتفاح والموز.

وأما العلة في تحريم ربا الفضل فهي أمران: الاقتيات والادخار، أي أن يكون الطعام مقتاتاً ، والمعنى أن الإنسان يقتات به غالباً بحيث تقوم عليه بنيته، بمعنى أنه لو اقتصر عليه يعيش بدون شيء آخر، دون أن تفسد البنية كالحبوب كلها والتمر والزبيب واللحوم والألبان وما يصنع منها. وفي معنى الاقتيات: إصلاح القوت كملح ونحوه من التوابل والخل والبصل والثوم والزيت.

ومعنى كونه صالحاً للادخار: أنه لا يفسد بتأخيره مدة من الزمن، لا حد لها في ظاهر المذهب، وإنما بحسب الأمد المبتغى منه عادة في كل شيء بحسبه، فالمرجع فيه إلى العرف دون تحديد بمدة ستة أشهر أو سنة، كما رأى بعضهم.

ودليلهم على أن هذه هي علة تحريم الربا: هو أنه لما كان حكم التحريم معقول المعنى في الربا وهو ألا يغبن بعض الناس بعضاً، وأن تحفظ أموالهم، فواجب أن يكون ذلك في أصول المعايش: وهي الأقوات: كالحنطة والشعير والأرز والذرة والكِرسَنَّة والتمر والزبيب، والبيض، والزيت، والبقول السبعة: وهي (العدس، واللوبيا، والحِمّص، والتُرْمس، والفول، والجُلْبان، والبسلة)

وأما اتفاق الجنس واختلافه فيلاحظ أن الإمام مالك يعتبر القمح والشعير صنفاً واحداً، وأن الذرة والأرز صنف واحد، وأن البقول كالفول والعدس والحمص وشبه ذلك كلها صنف واحد، وعلى هذا لا يجوز التفاضل بين القمح والشعير، ويجوز بين القمح والذرة. وأما اللحوم عند مالك فهي ثلاثة أصناف: فلحم ذوات الأربع صنف، ولحم الطيور صنف، ولحم الحيتان صنف

3 - مذهب الشافعية في بيان علة الربا :

قال الشافعية: العلة في الذهب والفضة: هي النقدية أو الثمنية، أي كونهما أثماناً للأشياء، سواء أكانا مضروبين، أم غير مضروبين (مسكوكين)، ولا أثر لقيمة الصنعة في الذهب والفضة، فلو اشترى رجل بدنانير ذهباً مصوغاً قيمته أضعاف الدنانير، اعتبرت المماثلة في الكمية، ولا نظر إلى القيمة. والمقصود بعلة الربا في الذهب والفضة على المعتمد هو جنسية الأثمان غالباً، وهي منتفية عن الفلوس (وهي القروش وغيرها المصنوعة من معادن غير الذهب والفضة كالنيكل والبرونز والنحاس) وغيرها من سائر عروض التجارة

وبما أن الفلوس ومنها النقود الورقية الحالية أصبحت هي أثمان الأشياء غالباً، فإنه يجري فيها الربا الآن .

وأما العلة في الأصناف الأربعة الباقية، فهي الطعمية ـ بضم الطاء، أي كونها مطعومة. والمطعوم يشمل أموراً ثلاثة:

أحدها: ما قصد للطعم والقوت كالبُّر والشعير، فإن المقصود منهما التقوت أي الأكل غالباً، ويلحق بهما ما في معناهما كالفول والأَرُزّ والذرة والحمص والترمس ونحوها من الحبوب التي تجب فيها الزكاة.

ثانيها: أن يقصد به التفكه، وقد نص الحديث على التمر، فيلحق به ما في معناه، كالزبيب والتين.

ثالثها: أن يقصد به إصلاح الطعام والبدن: أي للتداوي. وقد نص الحديث على الملح، فيلحق به ما في معناه من الأدوية القديمة كالزنجبيل، ونحوها من العقاقير المتجانسة كالحبة اليابسة.

ويتفرع على ذلك أنه فلا فرق بين ما يصلح الغذاء أو يصلح البدن، فإن الأغذية لحفظ الصحة، والأدوية لرد الصحة. والمراد بالمطعوم: كل ما قصد للطُعم (أي الأكل غالباً) اقتياتاً أو تفكهاً أو تداوياً.

وتكون علة الربا عند الشافعية هي: الطعم أو النقدية؛ أما ما ليس بطعم كالجبس أو الحديد والأقمشة وغيرها من كل ما يباع كيلاً أو وزناً، فإنه يصح بيعه بجنسه متفاضلاً، كعروض التجارة؛لأنها أي المذكورة كلها ليست أثماناً. وما كان في الغالب قوتاً لغير الآدميين، لا يحرم الربا فيه.

ودليلهم علي اختيار هذه العلة : أن الحكم إذا علق باسم مشتق دلّ على أن المعنى الذي اشتق منه الاسم هو علة الحكم، مثل قوله سبحانه: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " ففهم أن السرقة هي علة قطع اليد، وإذا كان هذا هو المقرر، فقد جاء من حديث معمر بن عبد الله أنه قال: كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «الطعام بالطعام مثلاً بمثل» فتبين أن الطُّعم هو علة الحكم، لأن الطعام مشتق من الطعم، فهو يعم المطعومات،وهذا وصف مناسب، لأنه ينبئ عن زيادة الخطر (أي الأهمية) في الأشياء الأربعة التي نص عليها الحديث؛ لأن حياة النفوس بالطعام. وكذلك الثمنية معنى مناسب؛ لأنه ينبئ عن زيادة خطر، وهو شدة الحاجة إلى النقدين (الذهب والفضة) أو ما يقوم مقامهما من النقود الورقية، بحسب التخريج والتصحيح الذي رأيته، خلافاً للمعتمد في المذهب الشافعي في العرف الماضي.أما القدر الذي قال به الحنفية، فلا ينبئ عن زيادة خطر في الأشياء.

ويتفرع على هذا:إذا بيع الطعام بالطعام أو النقد بالنقد، حالة اتحاد الجنس كحنطة بحنطة، وفضة بفضة، مضروبين كانا أو غير مضروبين كالحلي والتبر، اشترط في صحة البيع ثلاثة أمور:

1- الحلول ( بأن لا يذكر في العقد أجل مطلقاً )

2- المماثلة يقيناً بحسب المعيار الشرعي ( وهو الكيل فيما يكال، والوزن فيما يوزن، بحسب عادة أهل الحجاز في عهد الرسول عليه السلام، وفي غير ذلك تعتبر عادة بلد البيع حالة البيع)

3- التقابض ( أي القبض الحقيقي للعوضين مطلقا ً) قبل التفرق من المجلس.

واشتراط التقابض زيادة عما اشترطه الحنفية من المساواة في العينية أي تعيين كل من البدلين، سواء في حالة اتفاق الجنس أو اختلاف الجنس، لقوله عليه الصلاة والسلام: «يداً بيد» في كل من الحالتين.

فإذا اختلف الجنس كحنطة وشعير جاز التفاضل، ولكن بشرط الحلول والتقابض قبل التفرق. قال r فيما رواه مسلم: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد؛ فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد» أي مقابضة، ويؤخذ من ذلك اشتراط الحلول.

اتحاد الجنس واختلافه عند الشافعية : كل شيئين متفقين في الاسم الخاص من أصل الخلقة كتمر وتين من نوعين (أي كل أنواع التمور جنس واحد، وكل أنواع التين جنس واحد، وكل أنواع الزبيب جنس واحد)، أو متحدين في أصلهما كدقيق من حنطتين: هما جنس واحد عند الشافعية، وكل شيئين مختلفين في الاسم من أصل الخلقة كالحنطة والشعير والتمر والزبيب، أو متخذين من أصلين كأدقة الأصول المختلفة الجنس وخلولها وأدهانها واللحوم والألبان، هما جنسان مختلفان.

وعلى هذا فدقيق ا لبر جنس ودقيق الشعير جنس والذهب جنس والفضة والتمر والزبيب كل منهما جنس ولبن البقر ولبن الضأن، والإنسي من البقر والوحشي، هما جنسان مختلفان يجوز بيعهما مع التفاضل والكبد والطحال والقلب والكرش والرئة والمخ: أجناس، وإن كانت من حيوان واحد لاختلاف أسمائها وصفاتها، وشحم الظهر والبطن واللسان والرأس والأكارع: أجناس، والبطيخ الأصفر والأخضر والخيار والقثاء: أجناس، وأما الطيور: فالعصافير على اختلاف أنواعها جنس، والبطوط جنس، وأنواع الحمام جنس واحد على الأصح والرطب واليابس من أصل واحد كالعنب والزبيب، والرطب والتمر جنس واحد، . ولحوم الحيوانات أجناس مختلفة، فالضأن والمعز جنس واحد، والبقر والجاموس جنس واحد، والألبان أجناس مختلفة، كاللحوم.

4-مذهب الحنابلة:

في هذا المذهب ثلاث روايات بالنسبة لعلة الربا:

الرواية الأولي وهي أشهرها مثل مذهب الحنفية: أن العلة :الكيل أو الوزن مع اتحاد الجنس ، فيجري الربا في كل مكيل أو موزون بجنسه، مطعوماً كان أو غير مطعوم، كالحبوب والأشنان والنُّورة والقطن والكتان والصوف والحناء والعصفر والحديد والنحاس ونحوها، ولا يجري في مطعوم لا يكال ولا يوزن، والدليل علي اختيارهم هذه العلة ما روى ابن عمر قال: قال رسول الله r : «لا تبيعوا الدينار، بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الرِّماء» (والرماء: هو الربا) فقام إليه رجل فقال: «يا رسول الله، أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس، والنجيبة بالإبل؟ فقال: لا بأس إذا كان يداً بيد» وروى أنس أن النبي r قال: «ما وزن مثلاً بمثل، إذا كان نوعاً واحداً، وما كيل فمثل ذلك، فإذا اختلف النوعان، فلا بأس به» .

إلا أن الحنابلة خلافاً للحنفية قالوا: يحرم ربا الفضل في كل مكيل أو موزون بجنسه، ولو كان قليلاً كتمرة بتمرة، وما دون الأرزة من نقد ( ذهب أو فضة )، لا في ماء، ولا فيما لا يوزن عرفاً: لصناعته من غير ذهب أو فضة، كمعمول من نحاس أو حديد أو قطن ونحوه.

الرواية الثانية كمذهب الشافعية الكيل والوزن مع الطعم فالعلة في تحريم ربا الفضل: الكيل والوزن مع الطعم فكل شيء اجتمع فيه الكيل والوزن مع الطعم من جنس واحد ففيه ربا الفضل أي يحرم فيه الفضل كالأرز والذرة والقطن والدهن واللبن والخل واللحم ونحوه فلا يباع موزون بجنسه إلا وزنا بوزن يدا بيد سواءً بسواء بالشروط الثلاثة .وكذلك لا يباح مكيل بجنسه إلا كيلا اتفاقا .وعليه فقد اتفق المسلمون أنه لا يباع جنس بجنسه إلا بشروط ثلاثة :

1- يداً بيد ( الحلول والتقابض في مجلس العقد )

2- مثلا بمثل(جنس بجنسه تمر بتمر شعير بشعير)

3- سواءً بسواء ( وزن بوزن وكيل بكيل )

فإن اختل شرط المساواة تحقق ربا الفضل .

أما مالا تجري فيه العلة : الكيل والوزن مع الجنس فلا ربا فيه .

وعلى ذلك فلا ربا في ماء , ولا مالا يوزن عرفا لصناعته كفلوس غير ذهبٍ وفضة (وهذا باعتبار ما كان ).لا ربا في مطعوم لا يكال ولا يوزن كالبيض والجوز .

والرواية الثالثة عند الحنابلة: العلة فيما عدا الذهب والفضة: كونه مطعوماً إذا كان مكيلاً أو موزوناً، فلا يجري الربا في مطعوم لا يكال ولا يوزن،كالتفاح والرمان والخوخ والبطيخ والكمثرى والسفرجل والإجاص والخيار والجوز والبيض، ولا فيما ليس بمطعوم كالزعفران والأُشنان والحديد والرصاص ونحوه. وهذا قول سعيد بن المسيب كما تقدم . ودليله قوله عليه الصلاة والسلام: "لا ربا إلا فيما كيل أو وزن مما يؤكل أو يشرب"

اتحاد الجنس واختلافه في مذهب الحنابلة مثل مذهب الشافعية:

الجنس : ماله اسم خاص ويشمل أنواعا تحته فالجنس يشمل أشياء مختلفة بأنواعها . والنوع فرع الجنس, والجنس أصل له : كالبر جنس . ويشمل أنواعا . والتمر جنس ويشمل أنوعا : كالبرني والجنيب ونحوهما . ، لقوله r : «التمر بالتمر مثلاً بمثل» فاعتبر المساواة في جنس التمر، ثم قال: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم» وفي لفظ «فإذا اختلف الجنسان..» وفي لفظ «إلا ما اختلفت ألوانه» .

فكل شيئين فأكثر أصلهما واحد فهما جنس واحد وإن اختلفت مقاصدهما . كبر مصري , وبر شامي, وبر مغربي, فالكل يدخل تحت مسمى واحد وهو البر فلا يباع جنس بجنسه إلا بشروط ثلاثة :

1- مثلا بمثل 2- يدا بيد 3- سواء بسواء

اتحدت الأنواع أم لا .فاختلاف النوع لا يبيح التفاضل في الجنس الواحد وكذلك لا يبيح النساء لأنه جنس واحد وفروع كل جنس يأخذ حكم جنسه مثلا : دقيق الحنطة جنس , ودقيق الذرة جنس , ودقيق الأرز جنس وهكذا .وكذلك أجناس اللحم فالبقر والجاموس جنس واحد والماعز والضأن جنس واحد والإبل جنس وهكذا.

أما إذا اختلفت الأسماء والخلقة ( الصفة ) كاللحم والشحم والكبد والقلب ونحوها فهي أجناس مختلفة, فيجوز بيع الجنس بآخر متفاضلا إذا كان يدا بيد وبناء على ذلك :

* لا يجوز بيع شيء بجنسه إلا بشروط ثلاثة : 1- يدا بيد 2- سواء بسواء 3- مثلا بمثل ويتفرع علي ذلك ما يلي:

1- فلا يصح بيع لحم بحيوان من جنسه لأنه e نهى عن بيع اللحم بالحيوان . وفي معناه أنه e نهى أن يباع حي بميت . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أن جزورا نحرت فأتى رجل بعناق فقال أعطوني بهذا العناق جزء فقال أبو بكر: لا يصلح هذا .

* أما إذا اختلف الجنس فيجوز كبيع لحم ضأن ببقرة لأنه ليس من جنسه فيجوز متفاضلا يدا بيد ويحرم النساء

2- وكذلك لا يجوز بيع حب مثل البر مثلا بدقيقه لعدم المساواة وكل مكيل يشترط فيه المساواة أما إذا اختلف الجنس مثل بيع حب بر بدقيق شعير يجوز لعدم اعتبار المساواة ويشترط الحلول وكذلك لا يجوز بيع نيئ البر والذرة والشعير ونحوهم بالمطبوخ منها من جنس كل لفوات المماثلة

3- ولا يجوز بيع الرطب باليابس من التمر وكذا العنب بالزبيب لأنه e سُئل عن بيع الرطب بالتمر فقال:" أينقص الرطب إن يبس؟ قالوا: نعم . فنهى عن ذلك "

أما عند التساوي يجوز مثل دقيق بر بدقيق بر مثلا بمثل يدا بيد إذا استويا في النعومة

وكذلك دقيق شعير بدقيق شعير بنفس الشروط

4- ويتخرج على ذلك : أنه لا يجوز بيع المحا قلة

تعريف بيع المحاقلة : هي بيع الحب المشتد في سنبله بجنسه (بحب ليس في سنبله )

والعلة في عدم جواز بيع المحاقلة هي : الجهل بالتساوي وقد نهى النبي e عن بيع المحاقلة

ويصح بيع الحب في سنبله بغير جنسه مثل بيع بر في سنبله بذرة لعدم اشتراط التساوي لكن يشترط الحلول والتقابض .

5- لا يصح بيع المزابنة :

تعريف بيع المزابنة : وهي بيع الرطب على النخل بالتمر كيلا جزافا ومثلها بيع العنب بالزبيب كيلا.والدليل على أنه لا يصح بيع المزابنة : أنه e نهى عن المزابنة .

والعلة :عدم التساوي لأنه بيع جزاف وتقديري والجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة لأن الشبهة في باب الربا ملحقه في الحقيقة . وعدم التساوي يأتي من أمرين :

1- أن الرطب ليس مثل اليابس .

2- أنه لا يمكن تقدير ما على النخلة وزنا أو كيلا إلا تخمينا .

ولهذا حرم لأنه يباع جنس بجنسه وأحدهما مجهول المقدار لأن العلم بالتساوي مع الاتفاق في الجنس شرط لا يصح البيع بدونه .

يستثنى من ذلك : العرايا فيصح بيع الرطب بالتمر بمثل ما يؤول إليه الرطب إذا يبس وصار تمرا يابسا والأصل فيها أنها رخصة أبيحت للفقراء للحاجة للفقراء فقط . مثل أن يقول ما على النخلة إذا يبس يصير ثلاثة أوسق فيباع بثلاثة أوسق تمر . فتجوز العرايا بشروط :

1- أن تكون لمحتاج وإلا حرم

2- أن تكون بالتخمين أي خرصا يعني التقدير الجزافي غير الدقيق وإلا فلا

3- الحلول يعني لا يكون فيه تأجيل لأحد العوضين فيشترط التقابض في مجلس العقد قبل التفرق

4- التقابض قبل التفرق من مجلس العقد .

5- أن تكون فيما دون خمسة أوسق فلا تجوز الزيادة على خمسة أوسق .

ولا تجوز العرايا في بقية الثمار غير الرطب والتمر للنهي عن بيع الثمر بالتمر ولا يباع شيء منها إلا بالدراهم أو الدنانير و يتفرع أيضا علي ما سبق :

1- أنه لا يجوز مد عجوة ودرهم بدرهم أو بدرهمين , لا يجوز بيع ربوي بجنسه ومع أحد العوضين أو هما شيئا من غير جنسهما

كمد عجوة ودرهم بدرهمين أو مدي عجوة بمد ودرهم أو مد عجوة بمد ودرهم

لأنه لو فرضنا مساواة مد بدرهم , ودرهم بمد فالتقويم مبناه الظن والتخمين فلا يتحقق المساواة حقيقة والجهل بالمساواة كالعلم بحقيقة المفاضلة في الربا ولأنهe أتى بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير فقال e :" لا حتى تميز بينهما فرده حتى ميز بينهما ". ولأن الحديث:" الذهب بالذهب وزنا بوزن " فلا يجوز بيع الجنس بجنسه متفاضلا فإذا كان مع العوضين شيء لم يجز لعدم التمكين من معرفة التساوي حقيقة والجهل بالمساواة كالعلم بحقيقة المفاضلة في الربا . لكن يستثنى من ذلك :

إلا إذا كان الشيء الذي مع الربوي يسيرا لا يقصد كخبز فيه ملح بمثله فوجوده كعدمه .

وكذلك لا يجوز بيع تمر بلا نوى بتمر فيه النوى لاشتمال أحدهما على ما ليس في الآخر فانتفى شرط التساوي المشترط شرعا وكذلك لو نزع النوى وباع التمر والنوى بتمر ونوى لأنه أشبه بمسألة مد عجوة ودرهم محرم فلا يصح للجهل بالتساوي

ولكن يجوز أن يباع النوى بتمر فيه نوى متساويا ومتفاضلا لأن النوى غير مقصود في باب الربا ومثله يجوز أن يباع لبن بشاه فيها لبن . وكذلك صوف بشاه عليها صوف لأن اللبن والصوف كالنوى في التمر غير مقصودين . ومثله سيف مموه بالذهب بذهب لأنه غير مقصود في البيع . لكن بما يعتبر التماثل ..؟ أو بما تعتبر المساواة ..؟ تتحقق المماثلة في المكيل كيلا وفي الموزون وزناً.

ولكن هل يعتبر الموزون وزنا والمكيل كيلا بدون تغيير أبداً ؟

الرواية المذهب أن ما ثبت كيله في زمن النبي e فهو موزون أبداً بدون تغيير

لأن المنصوص عليه لا يتغير فإذا خالف العرف النص وجب الرجوع للنص وإذا لم يعتبر العرف النص فهو عرف فاسد .وهل يقتصر الوزن على النقدين والكيل على الأربعة ؟

لا يقتصر بل كل ما يكال بالمدينة ولو غير الأربعة فهو مكيل وكذا الموزون .

ويصح بيع نوع الجنس بنوعه كحنطة حمراء بسوداء أو بيع نوعي الجنس بنوعيه كتمر معقلي وبرني بإبراهيمي وصحاني بشرط أن يكون مثلا بمثل يدا بيد فلا عبره بالجودة أو الرداءة فهي في باب الربا سواء لأن الشارع اعتبر المثلية بالكيل في المكيل والوزن في الموزون . فما ضابط المكيل والموزون ؟

كل ما كان مكيلا بالمدينة في زمن النبي e فهو مكيل والمعتبر فيه الكيل ويتصرف التحريم فيه إلى التفاضل في الكيل فلا يباع إلا كيلا بكيل والمكيلات المنصوص عليها البر والتمر والشعير والملح .

وهكذا الموزون المنصوص عليه بزمن النبي e يبقى موزون أبداً والمعتبر في الوزن عرف مكة في الموزونات لما روي أنه e قال : " المكيل مكيال المدينة والميزان ميزان مكة " والموزونات الذهب والفضة ونحوهما.

فالمعتبر في تحديد الأجناس المكيلة والموزونة عرف زمن الرسول e ما كان مكيلا فهو مكيل أبدا وما كان موزونا فهو موزون أبدا وأما ما لم يكن له عرف في زمن النبي eاعتبر عرفه في موضعه لأن مالا عرف له في الشرع يرجع فيه إلى العرف الغالب قياساً على القبض والحرز علما بأن الراجح في المسألة قول أبي يوسف وإن الحكم معلول بالعرف فيصار إليه لأن النبي e لما وجد أهل مكة يهتمون بالوزن لأنهم أهل تجارة اعتبر الوزن لأنه أدق فيه من غيرهم .وحينما رأى أهل المدينة يهتمون بالكيل لأنهم أهل زراعة وحبوب اعتبر الكيل لأنهم أعرف به من غيرهم والمقصود التماثل فإذا بيع الجنس بجنسه كالبر بالبر وهو مكيل وزنا بوزن جاز لأن المماثلة حاصلة . لكن الممنوع أن يباع أحدهما مكيلا والآخر موزونا . لأن التماثل لن يتحقق ولم يقل بذلك أحد من المسلمين

فإن لم يكن له عرف غالب أو اختلفت البلاد في معيار ما لم يكن له عرف بالحجاز يرد إلى أقرب الأشياء شبها به بالحجاز فمثلا : كل مائع مكيل كاللبن والدهن وكل ما يجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار فهو مكيل .

والموزونات : الذهب والفضة والحديد والنحاس والحرير واللحم والصوف وغيرها فلا يباع موزون مكيلا ولا مكيل موزونا وما لا يختلف فيه الكيل والوزن مثل الدهن يجوز بيعه كيلا ويجوز وزنا بعضه ببعض وزنا آخر بعضه ببعض كيلا وكذلك غير المكيل والموزون كالحيوان والفواكه والثياب والخضر ونحوها يحترز أن تباع بعضها ببعض كيلا أو زونا .هل يتعين المكيل الذي كان قبلا كالرطل والأوقية ونحوها وكذا الميزان .؟

لا يعتبر فيجوز التعامل بكيل لم يعهد أو زون لم يعهد لعدم المانع .وهذا كله في بيع الجنس بجنسه الذي يشترط فيه التماثل والحلول والإتحاد. أما عند بيعها بالنقدين فيستوي بيع المكيل موزونا أو الموزون مكيلا لأنه لا خير ولا شرط .

5 - مذهب الظاهرية في علة الربا:

قال الظاهرية وأبو بكر بن الطيب: الربا غير معلل، وهو مخصص بالمنصوص عليه فقط (1) ، وذلك لأنهم ينكرون القياس، وقد بين الشارع أن الربا يجري في الأصناف الستة، فيبقى ما عداها على الأصل وهو الإباحة.

والخلاصة: أن العلة في تحريم التفاضل في الطعام عند الحنفية والحنبلية الكيل والوزن، وعند مالك الاقتيات والادخار، وعند الشافعي: الطعمية.

وأما جواز الزيادة في غير النقدين والمطعومات عند المالكية والشافعية أو غير المكيل والموزون عند الحنفية والحنابلة فلأَنها لا تمس حياة الناس الضرورية، سواء في أقواتهم أم في نشاطهم الاقتصادي، إذ أن الطمع في الربح لا يؤدي إلى إلحاق الضرر الكبير بهم.

الرأي الراجح في علة الربا عند الفقهاء :

قال ابن رشد المالكي: و إذا تؤمل من طريق المعنى ظهر ـ والله أعلم ـ أن علة الحنفية أولى العلل وذلك أنه يظهر من الشرع أن المقصود بتحريم الربا: إنما هو لمكان الغبن الكثير الذي فيه، وأن العدل في المعاملات إنما هو مقاربة التساوي، ولذلك لما عسر إدراك التساوي في الأشياء المختلفة الذوات، جعل الدينار والدرهم لتقويمها ( أعني تقديرها ) ولما كانت الأشياء المختلفة الذوات ( أعني غير الموزونة والمكيلة كالثياب ): العدل فيها إنما هو في وجود النسبة أعني أن تكون نسبة قيمة أحد الشيئين إلى جنسه كنسبة قيمة الشيء الآخر إلى جنسه، فإذن اختلاف هذه المبيعات بعضها ببعض في العدد واجب في المعاملة العادلة، والعدل في المكيلات والموزونات إنما هو بوجود التساوي في الكيل أو الوزن ,ورجح ابن القيم مذهب الإمام مالك في أن علة الربا هي القوت والادخار فيما يتعلق بغير النقدين. وأما النقدان فالعلة فيهما الثمنية كما قال الشافعية، إذ لو كان النحاس والحديد رِبَويين لم يجز بيعهما إلى أجل بدراهم نقداً، فإن ما يجري فيه الربا إذا اختلف جنسه جاز التفاضل فيه دون النَّساء أي التأخير.

وأيضاً فالتعليل بالوزن ليس فيه مناسبة، بخلاف التعليل بالثمنية، فإن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات، والثمن هو المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال، فيجب أن يكون محدوداً مضبوطاً لا يرتفع ولا ينخفض، حتى لا تفسد معاملات الناس، ويقع الاختلاف، ويشتد الضرر، فلا تكون الدراهم والدنانير مجالاً صالحاً للتجارة .

ورجح الدكتور السنهوري مذهب الشافعي في علة الربا، لأنه نظر إلى اعتبار اجتماعي اقتصادي، فنفذ بذلك إلى لب الموضوع ووقف عند المعنى البارز الذي ينبغي الوقوف عنده. أما اعتبار الحنفية فهو منطقي أقرب إلى الشكل منه إلى الجوهر

أصول الربا: قال ابن رشد: أصول الربا خمسة: أنظرني أزدك، والتفاضل، والنَّسَاء، وضع وتعجل، وبيع الطعام قبل قبضه، وقد سبق هذه الأصول ما عدا قاعدتين أبينهما فيما يلي:

قاعدة (أنظرني أزدك ) : حرام باتفاق العلماء: وهي: أن يكون للرجل دين عند آخر، فيؤخره به على أن يزيده في قدر الدين، وذلك كان ربا الجاهلية، سواء أكان الدين طعاماً أم نقداً، وسواء أكان من سلف أم بيع أم غيرهما. ووسيلة ذلك أن يبيع الدائن للمدين سلعة بثمن مؤجل إلى وقت معين يشتمل الثمن على زيادة عن الثمن النقدي.

قاعدة (ضع وتعجل ) : إن أخذ مال من المقترض مقابل تعجيل بقية القرض بالنص على ذلك في عقد القرض حرام أيضاً عند أئمة المذاهب الأربعة؛ لأن نقص ما في الذمة لتعجيل الدفع شبيه بالزيادة؛ لأن المعطي جعل للزمان مقداراً من الثمن بدلاً منه.ومعنى القاعدة: أن يكون لشخص على آخر دين لم يحل، فيعجله قبل حلوله على أن ينقص منه. ومثل ذلك أن يعجل بعضه ويؤخر بعضه إلى أجل آخر، وأن يأخذ قبل الأجل بعضه نقداً وبعضه عرضاً ويجوز ذلك كله بعد الأجل باتفاق، ويجوز أن يعطيه في دينه المؤجل عرضاً قبل الأجل وإن كانت قيمته أقل من دينه

نخلص ان شروط مبادلة الأموال الربوية مع بعضها أو مع غيرها كما يلي:

إذا حدث تبادل الأموال الربوية ببعضها، فقد يحرم التبادل وقد يحل. فيحل التبادل عند اتحاد الجنس كذهب بذهب وفضة بفضة وحنطة بحنطة وذرة بذرة إذا توافرت شروط ثلاثة:

1 - التماثل في البدلين كيلاً في المكيلات، ووزناً في الموزونات، وعدداً في المعددوات،فمن باع مد حنطة بمد حنطة، ورطل تفاح برطل تفاح، وخمس جوزات بخمس، جاز البيع. والمعتبر في التماثل: التساوي بأداة البيع: الكيل في المكيلات، والوزن في الموزونات. ووقت التماثل فيما يمر بدور الرطوبة والجفاف: هو وقت الجفاف، فلا يباع الرطب بالرطب ولا الرطب بالتمر، ويراعى زمن الجفاف.

2 - الحلول: بألا يؤجل تسليم أحد البدلين عن مجلس العقد، أي لا يذكر الأجل في العقد.

3 - التقابض: بأن يتم قبض كلا البدلين في مجلس العقد قبل تفرق العاقدين بأبدانهما.

واشتراط هذه الشروط من الأحاديث السابقة: «مثلاً بمثل» فيه شرط التماثل، و «يداً بيد» «هاء بهاء» يدلان على اشتراط الحلول والتقابض.

ويحرم التبادل إذا لم يتوافر أحد هذه الشروط.

ويحل التبادل عند اختلاف الجنس واتحاد العلة كذهب بفضة وحنطة بشعير بشرطين:

1 - الحلول: بأن يكون العقد حالاً لا تأجيل فيه.

2 - التقابض: بأن يتم ذلك في مجلس العقد.

والسبب في إنه لا يشترط التماثل، للحديث السابق: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد» . ويحرم التبادل إذا اختل أحد الشرطين السابقين.

وهكذا إذا اختلفت العلة بأن كان أحد البدلين من الأثمان أو النقود: الذهب والفضة أو النقود الورقية، والآخر من المطعومات كالتمر والزبيب، جاز التبادل وحل التعاقد، كبيع مد حنطة بعشر غرامات من الذهب،أو بدينار سواء حصل التقابض أو لم يحصل، اشترط الأجل أو لم يشترط، لما رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: « أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر، فجاء بتمر جنيب ، فقال رسول الله r : أكل تمر خيبر هكذا؟ فقال: لا والله يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : لا تفعل، بع الجَمْع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً» .

وأما إذا بودلت الأموال الربوية بغيرها، كبيع معادن بذهب، وطعام بثياب، ومواد الاستهلاكية من سكّر وزيت وسمن وأرز بنقود ورقية، كالشراء من البقاليات لأجل، فيجوز البيع مطلقاً، ولا يشترط التماثل ولا التقابض ولا الحلول؛ لأن العقد غير ربوي؛ لأن أحد العوضين مال غير ربوي، أو لأن نوع العلة مختلف، فالمواد الاستهلاكية من فئة المطعومات، والنقود الورقية من فئة الأثمان.

أما بيوع الرطب بالتمر والحب الجديد بالقديم، فهو ممنوع شرعاً، لعدم تحقق المماثلة بين البدلين، وهما من الأموال الربوية. وبيع الرطب على رؤوس الشجر بما يساويه خرصاً من التمر المقطوف، أو بيع العنب بالزبيب، يسمى بيع المزابنة.وبيع الحب في سنبله بما يساويه خرصاً (أي تقديراً وتخميناً لكيله أو وزنه) يسمى بيع المحاقلة.وقد رخص الشرع ببيع العرايا كما سبق : وهو أن يبيع الرطب على النخل بخرصه تمراً، أو العنب بخرصه زبيباً فيما دون خمسة أوسق

ما يترتب على الاختلاف في علة الربايترتب على الاختلاف في علة الربا بين الحنفية والشافعية أمور كثيرة، منها ما يتعلق بربا الفضل، ومنها ما يتعلق بربا النسيئة.أما ما يتعلق بربا الفضل، فيظهر أثر الخلاف فيما يأتي:

1 - في بيع مطعوم بجنسه غير مقدر: أي ( غير مكيل ولا موزون ) كبيع حفنة حنطة بحفنتين منها، أو بطيخة ببطيختين، أو تفاحة بتفاحتين، أو بيضة ببيضتين، وجوزة بجوزتين أو أكثر ونحو ذلك، يجوز هذا عند الحنفية لعدم العلة: وهي القَدْر، إذ لا تقدير في الشرع بأقل من نصف صاع بالنسبة للمكيلات، وأما في الموزون: وهو الذهب والفضة، فلا تقدير بما دون الحبة، إذ لا قيمة له

ولا يجوز ذلك عند الشافعية لوجود علة الربا عندهم وهي الطُّعم؛ لأن الأصل عندهم هو تحريم بيع المطعومين ببعضهما، أخذاً من حديث: «الطعام بالطعام مثلاً بمثل» والمساواة بين المطعومين في البيع مُخَلِّص من الحرمة، فما لم تثبت المساواة كانت الحرمة ثابتة، لأنها هي الأصل، فلا يجوز بيع الحفنة بالحفنتين ونحوهما.

والتعليل بالقدر عند الحنفية يقتضي تخصيص نص الحديث السابق: «البر بالبر مثلاً بمثل..» فيجوز عندهم بيع الحفنة بالحفنتين ونحوهما.

2 - في بيع مقدَّر بمقدَّر غير مطعوم: أي بيع مكيل بجنسه غير مطعوم، أو موزون بجنسه غير مطعوم ولا نقد، كبيع قفيز جص بقفيزي جص، أو رطل حديد برطلين منه ونحوهما.فلا يجوز ذلك عند الحنفية لوجود علة الربا، وهي الكيل مع الجنس في بيع الجص، أو الوزن مع الجنس في بيع الحديد

ويجوز ذلك عند الشافعية لعدم وجود علة الربا، وهي الطُّعم أو الثمنية. واتفق الحنفية مع الشافعية على أنه لو باع قفيز أرز بقفيزي أرز لا يجوز، لوجود الكيل مع الجنس عند الحنفية، ولوجود الطعم مع الجنس عند الشافعية.

واتفقوا أيضاً على أنه إذا باع رطل زعفران برطلين منه، أو رطل سكر برطلين من السكر: لا يجوز لوجود الوزن والجنس عند الحنفية، ولوجود الطعم والجنس عند الشافعية واختلف الفقهاء فيما يتعلق بشرط الجنس في بعض النواحي المتعلقة بتحققه، منها ما يأتي:

1 - بيع الدقيق بمثله أو بالحب :

قال الحنفية: لا يصح بيع الدقيق المأخوذ من جنس بجنسه، فلا يصح بيع الدقيق المأخوذ من القمح بالقمح، وكذا المأخوذ من الذرة بالذرة وهكذا، سواء أكانا متساويين أم لا؛ لأن التساوي في مثل ذلك غير محقق.

أما بيع الدقيق المأخوذ من جنس بغير جنسه، فإنه يصح كالدقيق المأخوذ من القمح إذا بيع بالشعير، فإنه يصح، لاختلاف الجنس متى كان يداً بيد.

وأما بيع الدقيق بالدقيق المتحد الجنس، فإنه يجوز بشرط التساوي في الكيل والنعومة والخشونة.

ويجوز بيع الخبز بالحنطة أو بالدقيق وبالعكس متساوياً ومتفاضلاً؛ لأن الخبز صار بالصنعة جنساً مختلفاً مع الحنطة، حتى خرج من أن يكون مكيلاً، والحنطة والدقيق مكيلان، فلم يجمع بين الخبز والحنطة أو الدقيق القدر ولا الجنس، فجاز بيع أحدهما بالآخر نسيئة، ولا يشترط فيه التقابض، وإنما يشترط التعيين

وقال المالكية: لا يصح بيع الحب والدقيق، أحدهما بالآخر، إلا مثلاً بمثل بدون زيادة، فلو باع قمحاً بدقيق مأخوذ منه، فإنه يصح إذا كانا متساويين بالوزن.

فإذا اختلف الجنس، كأن باع دقيقاً من الذرة بحب من القمح، فإنه يصح بيعه متفاضلاً بشرط التقابض في المجلس.وكذلك يصح بيع الخبز بالحنطة؛ لأن صنعة الخبز جعلته جنساً منفرداً.وأما بيع الدقيق بمثله فلا يصح مطلقاً

وقال الشافعية: لا يصح بيع دقيق بجنسه، فلا يصح بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة مثلاً، لانتفاء المماثلة اليقينية بينهما، بسبب النعومة الطارئة عليه، إذ قد يكون أحد البدلين أنعم من الآخر، فلا ينكبس في الكيل.

وكذلك لا يصح بيع دقيق الحنطة بحب الحنطة، كما لا يصح بيع الخبز بهما، ويصح بيع الخبز ببعضه، والدقيق ببعضه، إذا اختلف الجنسان، كأن يكون خبز قمح بخبز شعير أو دقيق قمح بدقيق ذرة، لاختلاف الجنس .

وقال الحنابلة: لا يصح بيع الدقيق بالحب المأخوذ منه مطلقاً، لأنه يشترط التساوي في بيع الجنس الواحد ببعضه، ولا يصح بيع الخبز بالحب المأخوذ منه، كما لا يصح بيعه بدقيقه.

وأما بيع الدقيق بمثله من نفس الجنس، فإنه يجوز كيلاً كما يقول الحنفية، بشرط التساوي في النعومة .والخلاصة: أن في بيع الدقيق بمثله رأيين:

رأي يجيز ذلك: وهم الحنفية والحنابلة. ورأي لا يجيز ذلك: وهم المالكية والشافعية.

2 - بيع الحيوان بلحم :قال أبو حنيفة وأبو يوسف: يجوز بيع حيوان يؤكل بلحم من جنسه، لأنه بيع ما هو موزون بما ليس بموزون، وهو جائز كيفما كان بشرط التعيين ، لأن الحيوان ليس بمال ربوي.

وقال الأئمة الثلاثة غير الحنفية: لا يجوز بيع حيوان يؤكل بلحم من جنسه، فلا يجوز بيع شاة مذبوحة بشاة حية يقصد منها الأكل لما روى سعيد بن المسيب أن رسول الله r نهى عن بيع الحيوان باللحم وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه نهى أن يباع حي بميت ؛ ولأن اللحم نوع فيه الربا، بيع بأصله الذي فيه منه، فلم يجز كبيع السِّمسِم بالشَّيْرَج، للجهل بالمماثلة فيما تطلب فيه المماثلة، والجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة

أما بيع الحيوان بالحيوان فيجوز، متفاضلاً ومن جنس واحد أو من جنسين، كبيع شاة بشاتين، وبيع شاة ببعير؛ لأن الحيوان ليس بمال ربوي، لأنه غير مطعوم على حاله وهيئته، وليس من جنس الأثمان. وأما بيع اللحوم ببعضها فيجوز إن كانت من جنس واحد، بشرط التماثل والحلول والتقابض؛ لأنها من الأموال الربوية فإن اختلف الجنس كلحم ضأن بلحم بقر، فيجوز التفاضل، بشرط الحلول والتقابض.

وأما مايترتب على الاختلاف في ربا النسيئة بين الشافعية والحنفية، فيظهر فيما يأتي:

ـ بعض الخلافات التي ترجع إلى أصل الخلاف في علة الربا التي هي عند الحنفية: الكيل أو الوزن، وعند الشافعية: الطعم. منها مايلي:

1 - في بيع غير المطعوم: إذا بيع قفيز جص بقفيز نورة مؤجلاً عن طريق السَّلَم، أوغير مؤجل عن طريق البيع ديناً في الذمة: لا يجوز عند الحنفية لوجود الكيل، وعند الشافعية: يجوز لعدم الطعم.

2- ولو أسلم رطل حديد برطلي حديد: لا يجوز عند الحنفية لوجود الوزن المتفق لكونهما موزونين، وعند الشافعية يجوز لعدم الطعم أو الثمنية.

3- ولو باع رطل سكر برطل زعفران ديناً في الذمة: لا يجوز بالاتفاق لوجود أحد وصفي علة ربا الفضل، وهو هنا الوزن المتفق عند الحنفية، ولوجود الطعم عند الشافعية.

ربا النسيئة

تعريف ربا النساء :أي التأخير وهو بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل ( وهي الوزن والكيل) فيحرم النساء إذا اتفقا في العلة .

وربا النسيئة: وهو البيع لأجل أي البيع نسيئة إلى أجل ثم الزيادة عند حلول الأجل، وعدم قضاء الثمن في مقابلة الأجل، أي أن الزيادة في أحد البدلين من غير عوض في مقابلة تأخير الدفع، سواء من جنس واحد أم جنسين مختلفين، وسواء أكانا متساويين أم متفاضلين، ودليل تحريمه حديث عبادة عند مسلم: «فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد» أي مقابضة، وحديث أبي سعيد الخدري عند الشيخين: «ولا تبيعوا منها غائباً بناجز» أي مؤجلاً بحاضر، ورواية مسلم: «مثلاً بمثل يداً بيد» . سماه ابن القيم الربا الجلي: وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، فيقول الدائن للمدين عند حلول الأجل: أتقضي أم تربي؟ وهذا هو الربح المركب. كل شيئين يجري فيهما الربا بعلة واحده كالمكيل بالمكيل والموزون بالموزون والمطعوم بالمطعوم يحرم بيع أحدهما بالآخر نسيئه .

فلا يباع أحدهما بجنسه نساء ولا بغير جنسه أيضا فلا يباح ذهب بذهب أو فضه بفضه أو تمر بتمر إلى اجلوكذلك لا يباع ذهب بفضه أو بر بأرز إلى أجل إلا إذا كان أحدهما نقدا كحديد بذهب أو فضه باعتبار النقدية في الذهب والفضة فيجوز لأنه سلم وإلا انسد باب السلم في الموزونات فيشترط في بيع الجنس بجنسه أو بغيره الحلول والتقابض .

كالمكيلين والموزونين ولو من جنسين لأنهما من أموال الربا حيث جرت فيهما علة الربا فلا يجوز النساء بل ويحرم التفرق فيهما قبل القبض .

ويتفرع على ذلك : باع بر بشعير أو حديد بنحاس بشرط الحلول والتقابض قبل التفرق فإذا تفرقا قبل القبض بطل العقد لقوله e: " إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد" . يعني القبض يستثنى من ذلك:

1- إذا باع مكيلا بموزون أو العكس فيجوز التفرق قبل القبض ويجوز النساء لأنهما لم يجتمعا في علة ربا الفضل مثل الثياب قياسا على بيع غير الربوي بغير الربوي

2- ما لا كيل فيه ولا وزن كالثياب والحيوان يجوز فيه النساء لأمر النبي e عبد الله بن عمرو أن يأخذ على فلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة وقال سعيد بن المسيب لا ربا في البعير والبعيرين والشاه بالشاتين إلى أجل .

وإذا جاز النساء في الجنس الواحد ففي الجنسين أولى نحو بعير بشاه نسيئه لكونهما جنسين ويتفرع على ذلك مسائل :

1- بيع الدين بالدين . لا يجوز بيع الدين بالدين لأنه e نهى عن بيع الكالئ بالكالئ .وهو بيع ما في الذمة بثمن مؤجل لمن هو عليه وكذلك لو أسلم شيئا في شيء في الذمة كلاهما مؤخر فلا يجوز وصورته: استقرض زيد قرضا من عمرو ثم يبيعه لعمرو بثمن في الذمة أو يكون عند زيد ثمن مبيع في الذمة فيقول لعمرو: اشتره مني بريال في الذمة .

2- أو بيع ما في الذمة بمال في الذمة لم يقبض قبل التفرق مثل أن يكون له دين على آخر فيقول جعلت ما في مثل رأس مال سلم كذا لأن ذلك يؤدي إلى الاحتيال في قلب الدين على المعسر إلى مدة أخرى بزيادة مال فهذا حرام

والخلاصة: أن ربا النسيئة هو تأخير الدين في مقابل الزيادة على مقداره الأصلي (وهذا هو ربا الجاهلية)، أو تأخير قبض أحد البدلين في بيع المال الربوي بجنسه