من أنا

صورتي
وكيل كلية الاداب واستاذ الدراسات الاسلامية, المنوفية, Egypt
استاذ الدراسات الاسلامية وعضو اللجنة العلمية الدائمة بالمجلس الاعلى للجامعات ووكيل الكلية السابق

أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 19 مارس 2020

المحاضرة السادسة فى المذاخب الفقهية


المحاضرة السادسة
مقاصد التشريع الإسلامي والقواعد الفقهية
أولا: مقاصد التشريع الإسلامي
اختلف العلماء في تعريف مقاصد التشريع على عدة أقوال منها:
1- قيل المراد بمقاصد التشريع: المقاصد التي شرعت الأحكام لتحقيقها وهي المصالح التي تعود إلى العباد وإسعادهم في دنياهم وأخراهم سواء أكان تحصيلها عن طريق جلب المنافع أو عن طريق دفع المضار[1].
2- وقيل مقاصد التشريع العامة هي: المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها[2].
3- وقيل أيضًا: : المقاصد هي : الأحكام المقصودة للشارع في جميع أحوال التشريع.[3]
وبهذا يكون الراد بمقاصد الشريعة: هي الأغراض التي لأجلها شرع الله الشرائع، وليس يخلو شيء شرعه الله من غرض أريد به، وما من شيء من تلك الأغراض إلا وهو عائد على المكلف بالنفع والمصلحة، وذلك متحقق له في الدنيا أوفي الآخرة، أو في الدارين جميعا، وكله من رحمة الله تعالى به وإرادته الخير له، فالذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره أعلم بما يصلحه وينفعه، بل هو أعلم به حتى من نفسه: { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } [الملك: 14].
ولا يخفى أن التكليف لا يخلوا من مشقة ورادة على المكلف بامتثاله، لكن تلك المشقة محتملة مقدور عليها كما قال تعالى: { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } [البقرة: 286]، ولذا فإنه حين يصل به الحال في بلوغ تلك المشقة ما لا يحتمل فإن التكليف يسقط، ثم إن المشقة المقدور عليها يحتملها المكلف رجاء المصلحة التي تربو في نفعها له على تلك المشقة، وهذا في الحقيقة احتمال للضرر المرجوح لتحصيل المنفعة الراجحة.
وتأمل مثاله في قوله عزوجل في فرض الجهاد: { كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون } [البقرة: 216]، وقوله في ذلك أيضا: { ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما } [النساء: 104].
والمقصود أن جميع شرائع الدين إنما أريد بها منفعة المكلفين، وهذا ظاهر مدرك في حكم التشريع وعلل الشرائع وموافقة جميعها للعقول المستقيمة الجارية على نسق العدل.
أنواع المصالح المقصودة بالتشريع[4]:
من أعظم ما يجب على الفقيه معرفته إدراك ما ترجع إليه المصالح التي جاءت جميع شرائع الإسلام لتحقيقها، وذلك لأمرين:
الأول: معرفة الوجوه التي ورد عليها التشريع من الحكم والمعاني، للإبانة عنها وتبصير الخلق بها،و ذلك بإظهار محاسن هذه الشريعة العظيمة ومزاياها وصلاحية أحكامها لجميع الأزمنة والأمكنة، وإقامة الحجة على أنها القانون الذي يجب أن يسود، والميزان الذي يجب أن ينصب، والعدل الذي يجب أن يقام، { ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } [المائدة:50].
الثاني: مراعاتها عند الاستنباط والنظر في المستجدات والحوادث فيما طريقه الاجتهاد، لأن القصد إلى موافقة الحق لا يمكن من غير اعتبار نوع مطابقة في ذلك الاجتهاد لحكم الله عز وجل، وتلك المطابقة ليست بمجرد الألفاظ، بل بالمعاني التي لم تستعمل الألفاظ في الحقيقة إلا للإبانة عنها، وتلك المعاني هي حكم التشريع، وهي علل الأحكام، وهي مصالح العباد.
وجملة ما ترجع إليه المصالح ثلاثة أنواع هي:
النوع الأول: الضروريات:
وهي كل أمر لا بد منه القيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقد لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وهلاك وفي الآخرة على خزي وندامة وخسران مبين.وتلك الضرورات خمس: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض.
وجاءت الشريعة لحفظها بأمرين:
الأول: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها.
والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع.
أجمع الفقهاء والأئمة المجتهدون في كل زمان ومكان أن مقاصد التشريع الإسلامي خمسة هم: حفظ الدين ، وحفظ العقل ، وحفظ النسل ، وحفظ النفس ، وحفظ المال.[5]
[1] لحفظ الدين: فرض الإيمان والتوحيد، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وما أشبه ذلك، وفرضت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ليكون الدين لله، ويقابل ذلك تحريم الكفر، وترك الشرائع المذكورة، والزيادة في الدين بالابتداع فيه بما لا يرجع إلى أصل في الشرع، وإيجاب قتل المرتد والمحارب. بل أكدت الشريعة حفظ الدين بما يزيد في الثبات عليه من مكملات الضرورة، فضرورة الإيمان شرع لها ما يزيدها تثبيتا بكثرة الذكر كتسبيح وتهليل وتحميد واستغفار، وضرروة الصلاة شرع لها من مكملات حفظها شعيرة الأذان لإظهارها، وصلاة الجماعة، وهكذا.
[2] لحفظ النفس: شرعت الزواج لحفظ هذا النوع وتكثيره بالتناسل، وأباحت الأطعمة والأشربة والألبسة والمساكن، وما به قيام الحياة من الأسباب ودوامها، وحرمت ما يفتك بالنفس، كتعاطي السموم القاتلة، ومن ذلك تحريم قتل النفس بالانتحار، كما قال تعالى: { ولا تقتلوا أنفسكم } [النساء: 29]، وما يضعفها كتعاطي أو ترك ما يقع بتعاطيه أو تركه الأمراض والأسقام، كما شرعت القصاص من القاتل، وقد قال تعالى: { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } [البقرة: 179]، وحرمت الاعتداء على الغير في نفسه أو بعض أعضائه بغير حق، كما شرعت أحكام الديات عقوبات للمخالفين في ذلك.
وشرعت تكميلا لحفظ هذه الضروروة منع ما يحول دون تحقيق حفظها على أتم وجه، فلذا أوجبت التماثل في القتلى، منعا للتذرع في حالة عدم التماثل بين القاتل والمقتول إلى تكرر الاعتداء الذي من أجل إبطاله وجب القصاص. والنفس سبب الدوام والبقاء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.[6]
[3] لحفظ العقل: إباحة الأسباب التي يدوم بها ويبقى ببقاء الإنسان مستعملا له فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، وتحريم ما كان سببا في إزالته أو إضعافه مما للمكلف فيه اختيار، كإزالته بتعاطي المسكرات، وأوجبت العقوبة فيها.
وكذلك منعت شرب القليل من الخمر وإن لم يسكر تتميما في حفظ هذه الضرورة، وذلك سدا للذريعة.
والعقل سبب التكليف وأساسه،كما أنه سبب للعدل في جميع التصرفات.
[4] لحفظ المال: أباح أسباب إنمائه على وجوه تحقق فيه وحرم الاعتداء عليه بالإتلاف، أو أكله بالباطل، كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } [النساء: 29]، ومن ذلك أكله بالربا، كما حرم سرقته أو غضبه، وأوجب قطع يد السارق، وحرم تبذيره في غير وجوهه.
والمال سبب قيام الحياة، كما قال تعالى: { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما } [النساء: 5].
[5] لحفظ العرض: دلت على أسباب وقايته من معاطب الزنا والفجور مبينة خطورة تلك المعاطب في تدميره وإفساده، ومن هذا جاء تحريم الزنا، وإيجاب الحد فيه وقاية للنسل، وإيجابه بالقذف على القاذف المتطاول على الأعراض البريئة.
والعرض سبب في تماسك المجتمع المسلم وألفته وطهارته.
النوع الثاني: الحاجيات:
وهي كل أمر يحتاج إليه الناس لرفع الحرج عنهم، وليس بفواته فوات ضروري لهم، لكن يقع بفواته العسر والضيق بما يشق على المكلف احتماله.
ومن مبادئ هذه الشريعة أنها جاءت بالتيسير ورفع الحرج، كما قال تعالى: { وما جعل عليكم في الدين من حرج } [الحج: 78].
وقال: { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } [المائدة: 6]، وقال: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [البقرة: 185]، وقال: { يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا } [النساء: 28].
ومن أمثلة ما شرعته لتحقيق هذا النوع من المصالح:
[1] في العبادات: شرعت الرخص المخففة، كالمسح على الخفين، وترك القيام في الصلاة للمسافر، والجمع بين الصلاتين للحاجة، وإسقاط الصلاة عن الحائض والنفساء، والفطر للمسافر والمريض، ورمي الجمار عن النساء والضعفة، وغير ذلك مما شرع للتخفيف في العبادات.
[2] في العادات: شرعت إباحة التمتع بالطيبات من غير إسراف أو خيلاء؛ في المطاعم والمشارب والملابس والمراكب والمساكن وسائر المنافع، وأباحت الصيد والتنزه واللهو ترويحا للنفس ودفعا لمللها وسآمتها، بشرط أن لا يعارض ضروريا.
[3] في المعاملات: رخصت في أنواع من العقود استثناء من القواعد العامة، كإباحة بيع السلم والاستصناع، وهما من قبيل بيع الإنسان ما ليس عنده، وإنما رخص فيهما بشروط معينة للحاجة، كما أباحت الطلاق والخلع لإنهاء عقد الزوجيضة دفعا للحرج والضرر في عشرة غير مرغوبة.
[4] في العقوبات: شرعت (درء الحدود بالشبهات)، وجعل الدية على عاقله القاتل في قتل الخطإ.
النوع الثالث: التحسينيات[7]:
وهي الأخذ بمحاسن العادات والأخلاق، وتجنب مساوئها. وهذا باب جاءت الشريعة فيه بأكمل المعاني وأتمها، ولما كانت العقول الراجحة تجبل على كثير من تلك الخصال بطبعها جاء قانون شريعة الإسلام فيها بإقرار ما كان عليها الناس منها قبل الإسلام، غير أنه أجرى عليها التعديل والتحسين والتهذيب بما جعلتها تندرج تحت مواد هذا القانون العظيم على أتم ما يجب أن تكون عليه.
كما قال الله عزوجل: { ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم } [المائدة: 6].
وفي هذا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق))[8]
ومن أمثلة ماجاءت به الشريعة لتحقيق هذا النوع من المصالح:
[1] في العبادات: شرعت إزالة النجاسة عن الثوب والبدن، وستر العورة، وأخذ الزينة، والتطوعات في الصلاة والصيام والصدقة، وسنن الطهارات والصلوات وآدابها، ونحو ذلك مما يحسن ويجمل.
[2] في العادات: شرعت أدب الأكل والشرب والملبس، وترك أكل النجاسات وشربها، وتوقير الكبير، وملاطفة الأطفال، وترك اختلاط الرجال والنساء لغير حاجة، وترك الخلوة بالأجنبيات، والتحية وآدابها، وطلاقة الوجه عند اللقاء، وإماطة الأذى عن الطريق.
[3] في المعاملات: شرعت منع بيع الميتة والخنزير، ونهت المرأة أن تزوج نفسها، ومنعت بيع  الرجل على بيع أخيه، وخطبته على خطبة أخيه، ومنعت الغش والخديعة في البيع وسائر المعاملات.
[4] في العقوبات: شرعت منع قتل النساء والصبيان في الجهاد، كما حرمت المثلة والغدر.
ترتيب المصالح:
أنواع المصالح الثلاث لا يخفى تفاوت درجاتها بحسب أهميتها وهي على ما سبق ترتيبها عليه: الضروريات، فالحاجيات، فالتحسينات.
ومراعاة هذا الترتيب في غاية الأهمية للفقيه، فإن النظر في المسائل يجب أن يقاس بما تتصل به من هذه المصالح، فما كان له صلة بالضرورات الخمس ينبني عليه تحصيلها وحمايتها فله المقام الأول في الاعتبار، وإن تعلقت بأمر حاجي كعسر امتثال على المكلف صح اعتباره إذا لم يبطل به ضروري من الخمس، وإن تعلق بأدب كان الشرط لاعتباره أن لا يبطل ضروريا ولا يورد حرجا وعسرا، ويلاحظ أن الحاجيات والتحسينات كالمتممات للضروريات.
والضرورات الخمس متفاوتة فيما بينها في قوة الضرورة، فحفظ الدين يسترخص لأجله النفس والمال، وحفظ النفس مقدم على حفظ المال، فإنها تفتدى بالمال، والمال يمكن استدراك ما يفوت منه بخلاف النفس، وحفظ العرض بالعفة من الزنا يفتدى بالمال، بل بالنفس، وحفظ العقل يغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره من الضروريات بالعذر.
ودرجات ذلك متفاوتة باعتبارات تدرك من أحكام الإكراه، وحال الضرورة.
والتحقيق أن ترتيب الضروريات ليس له قانون واضح يعول عليه، وهي كما أشرت تتفاوت باعتبارات، فلذا لا يندرج ترتيبها ضمن أصول المقاصد، وإنما الترتيب صحيح في ترتيب المصالح من حيث الجملة.[9]
ثانيًا: علم أسرار المسائل وحكم التشريع
لا يوجد حكم شرعي في كتاب الله تعالى، أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، إلا وله علة دفعت إلى تشريعه ، وحكمة مقصودة أو مبتغية من هذا التشريع ، وقد ترتبط العلة بالحكمة ارتباطا وثيقا، ولكنهما في الأغلب الأعم من الأحوال مستقلان، ولكي يتضح الفارق بين العلة والحكمة على نحو جلي محسوس، بعيدا عن التجريد فإنه يمكن القول: إن الله سبحانه وتعالى ، قد شرع قصر الصلاة في السفر دفعا للمشقة، ولذا يقال إن علة قصر الصلاة هي السفر، والحكمة من قصر الصلاة هي دفع المشقة، وسواء بانت العلة أو لم تبن، وظهرت الحكمة أو لم تظهر ، فإن الدعاة إلى الله يجب أن يستفرغوا جهودهم في سبيل جلاء كل منهما ، وطرحهما على بساط التفكر والتدبر أمام المسلمين عامة ، ومن توجه إليهم سهام التغريب والاستشراق والعلمانية والماسونية ودعاة المدنية المادية الزائفة ، والمشككين ، ومن يعبدون الله على حرف ، والمنافقين ، وطلاب الدنيا ، والباحثين عن زخارفها ، بصفة خاصة ، لأن المستهدف أولى بالرعاية.
ويقول ثقات الباحثين إن "جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم ، ذهبوا إلى أن أحكام الشرع معللة بجلب المصالح للعبد ، دنيوية أو أخروية ، ودرء المفاسد بكل أنواعها، وسواء منها ما كان معقول المعنى، وما لم يكن كذلك، ولم يخالف هذا إلا بعض الظاهرية[10]
إن العلة قد تكون وسيلة للوقوف على الحكمة ، حين تكون العلة علامة من "العلامات المعرفة للحكم الخاص " [11] وأداة للحيلولة دون استباحة المحارم ، حين تؤدي في القياس الشرعي دور وجه الشبه بين الأصل ، أي المقيس عليه وبين الفرع[12] ، أي المقيس ، وحيث يتم إنزال حكم الأصل على الفرع ، للاشتراك في العلة-[13] ، من خلال ما يعرف بقياس التعليل المحض[14]، أملا في حكمة الله تعالى من التشريع ، وهي حكمة عبادية في جوهرها ، وإن تعددت صورها ، قال تعالى في محكم التنزيل: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (سورة الذاريات الآية 56) وقد ارتبط التعليل بالحكمة في كثير من آيات الأحكام الشرعية الغراء .
قال تعالى في حض البشر على الطهر: { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } (سورة المائدة الآية 6) وفي التماس الفتوى { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (سورة البقرة الآية 183) وفي الإقدام على العبادات التي تنأى بالإنسان عن المنكر { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } (سورة العنكبوت الآية 45) واستعمال الحق المأذون فيه لدفع الظلم { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا } (سورة الحج الآية 39) وفي ربط القصاص بالحكمة منه { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (سورة البقرة الآية 179) والآيات في هذا الصدد كثيرة
وقد ربط بعض فقهاء الشريعة بين العلة والحكمة وجعلوهما مترادفين في عموم إطلاقهما . وإن كانت النظرة الفاحصة تشف عن أنهم تدرجوا في تعبيراتهم تدرجا يبدأ بالعلة وينتهي بالحكمة ، فالشيخ محمد رشيد رضا يطلق لفظ العلة قاصدا منه الحكمة وذلك بمناسبة بيانه لمفهوم قوله تعالى: { جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ } (سورة المائدة الآية 38) حيث يقول إن "هذا تعليل للحد ، أي اقطعوا أيديهما جزاء لهما بعملهما وكسبهما السيئ ونكالا وعبرة لغيرهما" (1)[15] وفي إطلاق العلة مع ربطها بالباعث أو الدافع الشخصي للسارق دون ذكر الحكمة ذاتها اكتفاء بذكر أحد مستلزماتها وهو قمع الدافع السيئ
يقول عبد القادر عوده رحمه الله: "وعلة فرض عقوبة القطع للسرقة أن السارق . . . يفعل ذلك ليزيد من قدرته على الإنفاق  ليرتاح من عناء الكد والعمل . . . وقد حاربت الشريعة هذا الدافع في نفس الإنسان بتقرير عقوبة القطع وهذا يؤدي إلى نقص الثراء . . . ويدعو إلى شدة الكدح وكثرة العمل والتخوف الشديد من المستقبل[16]
بيان الحكمة في التشريعات الإسلامية: أهمية بيان الحكمة في التشريعات الإسلامية ، واحدا من أهم موضوعات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، لأنه من الناحية الوصفية ، يمكن أن يعدد الحكم التي تدور في فلكها تشريعات الإسلام ، وهو دور يعين على بث اليقين في نفس المسلم فيثق أنه في جانب الله، الحكيم المتعال ، ويضع بالحياد العلمي أقدام غير المسلمين على دروب الإسلام الحقة ، من أول منطلقاتها المحايدة . ولأنه من الناحية التأصيلية يجمع شتات الأفكار حول فكرة محورية تدور في فلكها كافة الأصول الإسلامية، على نحو ييسر تجاوز فكرة الوقوف عند العلل الجزئية، من أجل الاهتمام " بالمقاصد العامة ، والمصالح الكلية التي جاءت الشريعة لرعايتها والمحافظة عليها والتي تصرف الشارع على وفقها ، وفرع الفروع بناء عليها . . "[17]
كما أنه من الناحية العملية والغائية يساعد على حسن سير العدالة عن طريق تبصير القاضي بالأسلوب الأمثل لتطبيق القاعدة الشرعية من خلال مسلمة عالمية علمية ، قوامها إدراك الغاية التي ينبغي تحقيقها من وراء التشريع ، وهي غاية مستقرة في التشريعات الإسلامية . وقلقة في القوانين الوضعية، وسبب استقرار هذه الغاية في التشريعات الإسلامية ، على ما يبين من الاستقراء الشامل والكلي لها ، أن غاية التشريع الإسلامي- في ضوء الحكمة التي تواكبه- هي غاية محايدة ومثالية ، وذلك الحياد وهذه المثالية ، يقودان فكر القاضي وهو ينظر في كل قواعد التشريع ، فيلتقي سكون القاعدة التشريعية مع حركتها ، على نحو لا يمكن أن يقوم في ظل القانون الوضعي.
كما أن إدراك الحكمة يقضي على كل خلاف
إدراك الحكمة في التشريعات وسيلة لضبط المصالح
معرفة الحكمة تقتضي الأخذ بأسباب العلم, فالإسلام يدعونا لا إلى العلم فحسب ، بل إلى التبصر والوقوف على أسرار العلم ، ودقائقها ، وبالجملة فهم حكمتها ، وأهم حكمة يتعين الوقوف أمامها هي حكمة التشريعات الإسلامية ، بحسبانها مجامع العلوم.


[1] - المقاصد العامة للشريعة الإسلامية للدكتور يوسف حامد العالم ص 79.
[2] - الشاطبي ومقاصد الشريعة للدكتور حمادي العبيدي ص 119 .
[3] - الشاطبي ومقاصد الشريعة للدكتور حمادي العبيدي ص 119 .
[4] - تيسير علم أصول الفقه .. للجديع - (ج 3  ص 55)
[5] - أخطاء عامة تقع فيها النساء - (ج 1  ص 14)
[6] - تيسير علم أصول الفقه .. للجديع - (ج 3   ص 59)
[7] - تيسير علم أصول الفقه .. للجديع - (ج 3  ص 61)
[8] - أخرجه أحمد 2/381(8939) قال : حدَّثنا سعيد بن منصور . و"البُخاري" في "الأدب المفرد" 273- المستدرك على الصحيحين:ج2 ص670 ح4221.
[9] - تيسير علم أصول الفقه .. للجديع - (ج 3  ص 61)
[10] - تعليل الأحكام الشرعية.... مجلة البحوث الإسلامية - الدكتور طه جابر فياض العلواني -ع 10 (1404 هـ)، ص 174 ص175
[11]-  الموافقات الشاطبي (أبو اسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي) تعليق عبد الله دراز، ط 1، ج 2، ص 6.
[12] - المصادر الأصلية والتبعية. د. محمد بن أحمد الصالح مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود ع 2، (1410 هـ)، ص 29
[13] - مصادر النظم الإسلامية، مجلة البحوث الإسلامية، حسين مطاوع- ع 27 (1410 هـ)، ص.
[14] - الرد على المنطقيين، لاهور لابن تيمية-، ط 6 (1404هـ)، ص 365.
[15] - تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا، جـ 6، ص 380 .
[16] - التشريع الجنائي، ط 2 م، دار العروبة، ج 2، ص 621.
[17] - الحكم الشرعي عند الأصوليين، الدكتور حسين حامد حسان ط 1 (1972م) دار النهضة العربية ص 21 .

المذاهب الفقهية


جامعة المنوفية.
كلية الآداب.
قسم اللغة العربية.


 محاضرات
فى
المذاهب الفقهية

الفرقة الثالثة

أ.د حسن السيد حامد خطاب
أستاذ الدراسات الإسلامية
 ورئيس قسم اللغة العربية
ووكيل الكلية لخدمة المجتمع
2019-2020م


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, الملك الحق المبين, والصلاة والسلام على النبي الأمين, إمام المرسلين وخاتم الأنبياء, سيدنا محمد النبي العربي الكريم, صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم, والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.             وبعد ؛؛؛
فهذه محاضرات فقهية أصولية ، جامعة لدراسة نظرية تطبيقية للمذاهب الفقهية  تتضمن التعريف بالفقه الإسلامي ونشأته وتطوره ،والمدارس الفقهية وكيف أثرت في نشأة المذاهب الفقهية،وأهم خصائص ومميزات كل مدرسة، ثم التعريف بالمذاهب الفقهية المشهورة , وأهم أصولها ، وأشهر علمائها ، وأهم الكتب والمؤلفات فيها ،والفرق بين الفقه والأصول والفقه المقارن ،واختلاف الفقهاء ,وأسبابه. وأهم مقاصد التشريع الإسلامي وأنواعها ومراتبها، وتكوين الملكة الفقهية وكيفية تحققها وشروطها والقواعد الفقهية ومكانتها في الفقه الإسلامي ,ثم بعض المسائل الفقهية المقارنة بين المذاهب الفقهية في المعاملات الاجتماعية والمالية وهى مسائل متنوعة على النحو التالي:
أولا: مسائل من فقه الأحوال الشخصية:
المسألة الأولى: الحكم التكليفي للزواج
المسألة الثانية: حكم زواج المرأة نفسها بدون ولي
المسألة الثالثة: اشتراط التأقيت أو الأجل في عقد النكاح
المسألة الرابعة: أثر نية الطلاق على عقد النكاح .
ثانيا: مسائل من فقه المعاملات المالية:
المسألة العاشرة:  حكم التسعير في البيوع و التجارات
المسألة الثانية عشرة: حكم احتكار السلع والمواد الغذائية بهدف زيادة أسعارها .
  وقد قمت بجمعها في كتاب واحد للتيسير والتسهيل, كما راعيت فيها السهولة والوضوح في العرض والأسلوب, مع التوثيق والتخريج للمعلومات والأحاديث ؛ لتأصيل المعلومة ,كي يتعرف الطالب على مناهج الفقهاء في الاستنباط واختلافاتهم الفقهية وتعليلهم للأحكام وكيفية استدلالهم عليها وما يتعلق بذلك من المرونة والسعة في الرأي ،وأن الاختلاف الفقهي دائما يؤدي إلى التوسعة والتيسير على المكلفين ، ويستفيد منها الطالب التعليل والتدليل والحوار والمناظرة وقبول الآخر واحترام آراء الآخرين.
 وقد راعيت في هذه الدراسة السهولة والوضوح في العرض والأسلوب, مع التوثيق والتخريج للمعلومات والأحاديث ؛ لتأصيل المعلومة, وليتمكن القارئ من التعرف على الدراسات الفقهية ومناهج العلماء فيها وبعض النماذج المقارنة.
 والله أسأل أن ينفع به, ويجعله في ميزان حسناتي ووالدي ووالدتي وزوجتي وأبنائي, ويجزي كل من ساعدني في هذا الكتاب خيرًا, ويجعله نورًا لنا يوم لقائه, إنه نعم المولى ونعم النصير.
                                            أ.د/ حسن السيد خطاب
                                                  15 / 1/ 2019م

قســـم :اللغة العربية وآدابها
توصيف مقرر دراسي
1- بيانات المقرر
الرمز الكودى : 323ع ر
اسم المقرر :  مذاهب فقهية
الفرقة / المستوى : الثالثة
التخصص :دراسات إسلامية
-2
3
عدد الوحدات الدراسية :  نظرى               عملى        


2- هدف المقرر :


يهدف المقرر إلى التعريف بالمذاهب الفقهية والتشريع الإسلامي ومراحل تطوره ومصادره وخصائصه، وبيان صلاحيته لكل زمان ومكان، والتعريف بالفقه المقارن وأسباب اختلاف الفقهاء وآثارها.

3- المستهدف من تدريس المقرر:


أ‌-       المعلومات والمفاهيم:



1. يحـدد المعارف والمفاهيم الأساسية للتشريع والشريعة والفقه.
2. يستعرض الأدوار التي مر بها التشريع الإسلامي.
3. يبين خصائص التشريع الإسلامي.
4. يحدد أسباب اختلاف الفقهاء.

ب‌-  المهارات الذهنية :


1. يميز بين أصول وقواعد كل إمام في استنباط الأحكام من الأدلة.
2. يرجح بين الأدلة في القضايا الفقهية المختلف فيها.
3. يوظف القواعد الفقهية والأصولية في التوصل إلى أقوى الآراء.

جـ- المهارات المهنية الخاصة بالمقرر :
1. يوظف القواعد الفقهية والأصولية في النظر النقدي الموضوعي للقضايا الفقهية المختلف فيها .
2. يفرق بين الفقه المذهبي والفقه المقارن .
3. يطبق الأحكام الشرعية في الحياة العملية.

د‌-      المهارات العامة :
(يتم التأشير على المناسب)

1. يقترح الحلول المناسبة لأى مشكلة قد تواجهة فى مجال عمله.
2. يستخدم تكنولوجيا المعلومات فى مجال تخصصه.
3. يجمع ويعرض المعلومات بطريقة ملائمة.

4- محتوى المقرر:

الموضوع
عدد الساعات نظري
عدد الساعات العملى
ملاحظات

1-  تعريف الفقه وخصائصه ونشأته ومراحل تطوره

3
---


2-الفقه المقارن: تعريفه- نشأته
3
---


3-نشأة المذاهب والمدارس الفقهية
3
---


4-أسباب اختلاف الفقهاء
3
---


5-القواعد الأصولية والفقهية والفرق بينهما.
3
---


6 مقاصد التشريع الاسلامى وأنواعها-
3
---


7-دراسة لمجموعة من المسائل المقارنة بين الفقهاء في أبواب الفقه المتنوعة
3

---


8-الزواج بدون ولي.
3
---


9-اشتراط التأقيت أو الأجل في عقد النكاح.
3



10-أثر نية الطلاق على عقد النكاح.
3
---


11-زواج المتعة والاجل
3
---


12- حكم التسعير
3
---


13-    حكم  الاحكتار
3
----



5- أساليب التعليم والتعلم



1-المحاضرات
2-جلسات النقاش والحوار  والعصف الذهني.
3-التطبيقات
4- استخدام الوسائل الحديثة مثل : البروجكتور
5- تكليفات البحوث.
6- أساليب التعليم والتعلم للطلاب ذوى القدرات المحدودة

يخصص وقت إضافي بعد انتهاء ميعاد المحاضرة الرسمي أو التطبيقات للجلوس مع الطالبات ذوي القدرات المحدودة وتقديم مزيد من الشرح.
7- تقويم الطـــلاب : 

أ‌-       الأساليب المستخدمة


۱- التطبيقات                                     لتدريب الطلاب.
 ٢- جلسات النقاش والحوار              لحل بعض المشكلات الغامضة.
٣-  تكليفات البحوث.            لتعليم الطلاب كيفية استخدام المصادر والمراجع.
ب‌-  التوقيت


۱- التطبيقات                                 في الساعات العملية من كل أسبوع
 ٢- جلسات النقاش والحوار            لها وقت مخصص نهاية كل محاضرة
٣-  تكليفات البحوث.            من أول محاضرة  وتسلم في الأسبوع العاشر للتقييم     
جـ- توزيع الدرجات



اختبار شفوي                                                   25%                                                                  
اختبار نهاية الفصل الدراسي                                    75%                      
المجموع                                                           100%                     
8- قائمة الكتب الدراسية والمراجع :

أ‌-       مذكرات


محاضرات في المذاهب الفقهية  اد حسن خطاب

ب‌-  كتب ملزمة






تاريخ الفقه الإسلامي، محمد علي السايس.
التشريع والفقه في الإسلام، مناع القطان.
تاريخ التشريع الإسلامي، محمد الخضري بك.
تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة.
الفقه الإسلامي وأدلته وهبه الزحيلي
المدخل إلى الفقه الإسلامي حسين حامد حسان

جـ- كتب مقترحة



1.    تفسير القرطبي ( الجامع لأحكام القرآن ).
2.    المغني لابن قدامة.
3.    بداية المجتهد لابن رشد.
4.     الأشباه والنظائر للسيوطي- ابن نجيم.
د- دوريات علمية أو نشرات ... الخ

المواقع الإسلامية على الإنترنت
مصفوفة المعارف والمهارات المستهدفة من المقرر الدراسي
الموضـــــــــــوع
المعارف
مهارات ذهنية
مهارات مهنية
مهارات عامة
1
2
3
4
1
2
3
4
1
2
3
4
1
2
3
4
1-   تعريف الفقه وخصائصه  ونشأته















2-الفقه المقارن: تعريفه- نشأته















3-نشأة المذاهب والمدارس الفقهية















4-أسباب اختلاف الفقهاء















5-القواعد الأصولية والفقهية والفرق بينهما. أمثلة لكل منها.















6-مقاصد التشريع الاسلامي















7-دراسة لمجموعة من المسائل المقارنة بين الفقهاء في أبواب الفقه المتنوعة















8-الزواج بدون ولي.















9-اشتراط التأقيت أو الأجل في عقد النكاح.














10-أثر نية الطلاق على عقد النكاح.














11-أثر اشتراط عدم الإعلان على عقد النكاح.














12-حكم الزواج  المحلل واثر اشتراط الخيار على العقد














13-حكم التسعير  فى البيوع –














14- الاحتكار فى السلع














أستاذ المادة : أ. د/ حسن السيد خطاب  رئيس مجلس القسم: أ.د/ حسن خطاب